حول مردود الطاقة الذرية




كثيرا ما يلوح في أذهان المستمع لكلمة الطاقة الذرية ذلك الكيان السري المهتم بصناعة الطاقة من تفتيت الذرة ويرتاده علماء يرتدون المعاطف البيضاء ويجول حوله من يحميه ولكن الواقع غير ذلك.


الطاقة الناتجة من انشطار وتحلل نواتج الانشطار

 
لذا يجب أن نوضح معنى مصطلح الطاقة الذرية، يعود المصطلح إلى بدايات القرن العشرين حيث بدأ الاهتمام باستخراج ما دفنته المستعرات الكونية من طاقة في أعماق نويدات الذرات منذ زمن سحيق تلك الطاقة التي احتبست داخل أنوية العناصر أثناء عمليات تكوينها ولم تسمح قوانين الفيزياء لتلك الطاقة بالخروج كليا بل تنسل جزئيا، نويدة نويدة عن طريق التحلل التلقائي - طويل الأجل - حتى أن عمر النظام الشمسي لا يكفي إلا لتحلل نصف نويدات اليورانيوم-238 . الطاقة هنا هي طاقة نواة الذرة- فهي طاقة نووية، وعلى الرغم من ذلك ففي  تلك الحقبة من الزمن لم يكن من السهل رصد النواة كنواة بل رصد الذرات المتكونة نتيجة التحلل أو الانشطار فكلاهما يؤدي إلى ظهور ذرات عنصر مختلف كيميائيا لذلك سميت طاقة ذرية والتصق المسمى بالعلم ومؤسساته منذ ذلك الحين. 

ومدلول الطاقة الذرية – رغم عدم مطابقته لطبيعة الطاقة – وافق تطبيقاتها، فنجد أن كثير من التطبيقات السلمية للطاقة الذرية يهتم بتفاعل الإشعاع (الجامي، الاليكتروني، أو الجسيمي) مع الذرة والمادة سواء كان ذلك لرصده أو لاستغلال طاقته في تطبيقات صناعية وطبية وزراعية وأكاديمية عدة، حتى أنه لم يبق من تطبيقات تدخل إلى مستوى نواة الذرة إلا عدد ضئيل من التطبيقات أهمهم مجالين أساسيين أولهم قلب المفاعلات النووية لتطويع تلك الطاقة وتحويلها إلى صورة يمكن للمستخدم العادي تداولها والثاني معامل دراسات الفيزياء والكيمياء النووية والتي تدرس فيها كنه هذه الطاقة بغية تطويرها وإبرازها  وإتاحتها  للمستخدم العادي.

كلا المجالين أصبحا تحت الوصاية الدولية. . . لماذا؟

 المعادلة الشهير لتحويل كتلة المادة إلى طاقة-  E=mcc - تفيدنا أن جراما واحدا من المادة مهما كان نوعه يعادل طاقة تعادل تقريبا 90000000000000 جول (9 x 10 13) أي ما يعادل 210000000000 (2.1 x 10 10)كيلو سعر حراري تقريبا، وياله من رقم كبير جدا، لم نستخرج منه إلا القدر اليسير، ففي الماضي كان حرق جرام من الخشب يعود علينا بطاقة 4 كيلو سعر حراري تقريبا (نعم اربعة) وحرق جرام الفحم يعطينا 7 كيلو سعر حراري تقريبا أما حرق جرام من الجازولين  فيعطينا 11.5 كيلو سعر حراري تقريبا. ولكن العلم النووي أو الذري كما شئت أن تسميه استطاع استخراج طاقة من انشطار كامل ذرات جرام اليورانيوم -235 - بشكل نموذج لا يحدث إلا تحت ظروف معينة - تعادل تقريبا 19000000 (19 مليون)  كيلو سعر حراري من بين الـ 210000000000 كيلو سعر حراري متاحة للاستخراج منه مع بقاء باقي الطاقة على هيئة مادة.  أما على ارض الواقع فيتم استخراج ما بين 120000  كيلو سعر حراري في مفاعلات الماء الخفيف LWR و 6.5 مليون كيلو سعر حراري في مفاعلات النيوترونات السريعة FNR. أما أن نستخرج كامل الـ   210000000000  كيلو سعر حراري فهذا أم لا يتأتى إلا بفناء المادة مع المادة المضادة لها. هنا تأتي أهمية هذا العلم، فكلما ازدادت معرفتنا بطبيعة النواة وفيزياء القوى النووية كلما استطعنا استخراج كمية أكبر من الطاقة بل والاستغلال الأمثل لما تم استخراجه منها، ومن يمتلك هذه المعرفة، بالطبع، ستزداد قوته، على الأقل سيتحرر من متطلبات الطاقة، ولذلك أصبح هذا العلم وهذه المعارف تحت الوصاية. بل وأصبح القيام بأي تطوير أو استنباط أو تخيل لمفهوم يخالف النظرية السائدة يعد، بطبيعة الحال، انتهاكا.  . . . . 

تحدث تقريبا 4300 حالة تحلل نووي في الثانية داخل الإنسان.

والمفاعلات ليست المكان الوحيد لاستغلال الطاقة، فالبطاريات التي تغذي الوحدات الفضائية تعتمد في مبدأها على تحلل نووي لبعض النظائر المشعة، بل وفي الطبيعة أيضا يحافظ التحلل النووي على حرارة باطن الكوكب لحفظه سائلا دوارا ومولدا للمجال المغناطيسي الذي يحمي سطح هذا الكوكب من الرياح الشمسية العاتية. وها نحن نتتبع المياه والبترول وحركة الصخور وأعماره و أعمار الآثار وغيرها باستخدام البصمة النووية ، حتى جسم الإنسان لم يخل من النظائر المشعة إذ أن شخصا يزن 70 كيلوجرام به ما يقارب من 140 جرام من البوتاسيوم  والذي بدوره يحتوي على 16.4 مجم من نظير  البوتاسيوم -40 المشع، أي أن هناك تقريبا 4300 تحلل نووي في الثانية داخل الإنسان المتوسط الحجم،  ربما كانت أساسا لتطور قدرة البشر على التكيف مع البيئة المحيطة.  لا تقلق، فلم يتم وضع تلك المقادير تحت الوصاية، حتى الآن! . . .

من أين جاء الهليوم؟. . . .

في الطبيعة يتواجد اليورانيوم والثوريوم في كل بقاع الأرض في كل حائط وأرض وسقف وجبل حتى الغبار والمياه، يزيد تركيزه في بعض الأماكن عن البعض الأخر نتيجة عوامل جيولوجية، وكلاهما يؤثر في  الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الإنسان، والسبب في ذلك هو تكون سلاسل  التحلل، فاليورانيوم-238 على سبيل المثال يتحلل إلى سبعة عشر نويدة مشعة أخرى تصاحبها سبعة ذرات من الهليوم، كل نويدة له طبيعة خاصة نخص منها الرادون-222 وهو غاز مشع خامل كيميائيا لذا يسهل انتقاله للهواء المحيط ويتراكم في الأماكن المغلقة مسببا زيادة في تعرض المتواجدين فى الأماكن المغلقة للإشعاع. ويعد الرادون أحد المنبئات بحدوث الزلازل حيث تم رصد زيادة في تركيزه في المياه والهواء قبل حدوث الزلازل بفترات. أما الثوريوم فتواجده اكبر من اليورانيوم بمراحل ويتواجد بكثرة في المناطق الساحلية وأراض البحار القديمة. فها هي مدينة رشيد بمصر وما حولها يكثر تركيز الثوريوم برمالها السوداء. معظم تلك المتحللات الطبيعية تنتج من تحلل ألفا الذي يتبعه تكون ذرات الهليوم والذي يحتبس داخل تجاويف الأرض وأبار البترول والغاز منتظرا من يستخرجه، ويستخدمه. . . . 
وفي الصناعة والطب تستعمل النظائر المشعة للفحص والتشخيص والعلاج (على المنشآت والأجهزة في حالة الصناعة والبشر في حالة الطب)، وفى الزراعة تساعدنا على تتبع انجراف التربة، وفي الكائنات الحية تؤمن لنا طريقة لتوليد الطفرات وعزل المضرة منها والاستفادة من الجيدة. كما تستعمل طاقة الإشعاع في التعقيم الصناعى والطبي والزراعي وفي تخليق مواد جديدة أو مواد ذات صفات مميزة وغيرها من المجالات.  . . . 


تضع معظم المراكز البحثية والجامعات جميع البيانات التي توصل إليها منسوبيها متاحة للجميع، مادامت مأخوذة أو مستقاة في ظل النظرية السائدة (المعروفة التطبيق.) ولكن في نفس الوقت تحجب جميع البيانات أو الدراسات التي قد تؤدي إلى معارف غير مقننة أو تلهم الباحثين بطرق التنقيب وراء تلك المعارف، لذلك أصبح البحث العلمي في هذا المجال من الأمور البطيئة التقدم، وترتب على هذا ضعف تقييم العوام (المسمى أيضا معامل التأثير) لهذا المجال وأصبحت المعارف المتداولة مبنية على نظريات وقواعد تم وضعها منذ نصف قرن. .....
من خلال ما تم سرده هل مازلت مقتنعا بمحدودية مجال الطاقة الذرية والعلوم النووية؟
هل مازلت تظن أن الأنفاق عليه بلا عائد؟
أنظر حولك.
------------------------------------
تنويه: رغم أن المقال للقارئ العادي، فقد تم حذف ثلث هذه المقالة تجنبا للمشاكل.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسيرة علماء الفيزياء - لاس فيجاس 1986

ألسنة متلونة

متناقضة الناجي (Survival Bias)