المعارف التي ننقلها لأبنائنا


المعرفة التي ننقلها لأبنائنا



هل ما ننقله من العلم لأبنائنا صحيح؟  وإن كان صحيحا فهل تم فهمه بشكل صحيح؟ كثير من كتب العلوم والرياضيات التي تٌدرس في مراحل التعليم قبل الجامعي تقتبس من مثيلاتها من الكتب الأجنبية، تلك التي يصرح ببيعها في خارج الدول الغربية. فكثير من الكتب الجيدة تجد مكتوبا عليه عبارة شهيرة مفادها "يصرح ببيعه خارج ..... أيا ما كان اسم الدولة "! فهل هناك كتبا غير مصرح ببيعها خارج هذه الدول. الإجابة نعم، بل وقد تكون نفس الكتب لنفس المؤلفين وبنفس المحتوى ولكن الكلمات في موضعها السليم الذي يدفع الطالب للفهم السليم ولا يوحى له بعدم قدرته على تنفيذ ما فهمه. فكلمة في غير موضعها تثبط النفس وتكبح الفعل. 

في صباي وأثناء الدراسة بمراحل التعليم قبل الجامعي درسنا حركة "المقذوفات"، نعم درستاها بهذا الاسم. وكان من أهم ما تعلمناه أن الجسم المقذوف يستطيع الخروج من إطار جاذبية الأرض إذا تعدت سرعته الابتدائية قيمة 11200 متر في الثانية الواحدة. و ما قرأت في قصة جول فيرن كتبها عام 1865 وعنوانها من الأرض إلى القمر حتى روى فيها قصة مدفع يقذف مركبة من الأرض بسرعة عالية تمكنه من الخروج من جاذبية الأرض لكي يصل إلى القمر. ولكن الرقم الكبير جدا ( 11200 متر في الثانية الواحدة ) أمر يصعب الوصول إليه عن طريق مدفع - فكيف استطاع الغرب الوصول إلي القمر إن صح الأمر أو إلى الفضاء الخارجي لوضع أقمارهم الاصطناعية؟ وهل يمكن لبشر تحمل الانتقال لمثل هذه السرعة دفعة واحدة؟ فعلى سطح الأرض تبلغ سرعة الجسم المثبت على سطح الأرض حوالي 465 متر لكل ثانية أما في مدارات الأقمار الصناعية فقد تبلغ السرعة حدا أقصى حوالي 3100 متر لكل ثانية للمدارات العالية الثابتة و 7000 متر لكل ثانية للمدارات المنخفضة وهي أرقاما أقل بكثير من سرعة الهروب وألم نشاهد بأنفسنا في الوسائل المرئية صاروخا ينطلق ويصعد ببطء في مراحله الأولى ثم تزداد سرعته كلما صعد في غلاف الأرض الجوي. فكيف استطاع الغرب هذا.  ومرت الأيام لأتعلم الإجابة أثناء السنة الأولى بكلية العلوم بجامعة المنيا وذلك من خلال مقرر الديناميكا والذي درست فيه فصلا كاملا عن حركة المقذوفات والصواريخ. نعم يجب للجسم المقذوف أن يبلغ سرعة الهروب فهو يمتلك حركة ابتدائية فقط ولا يملك القدرة على تغيير طاقته أثناء الحركة أما الصاروخ فله هذه القدرة بل إنه يكتسب طاقته التي تتغير باستمرار من خلال محركاته وكلما أحترق وقوده خف وزنه وزاد تسارعه. أي إننا قد لا نحتاج للوصول لهذه السرعة كي نخرج للفضاء باستعمال صاروخ. واليوم – أرى في كتب الدراسة إصرارا على استخدام لفظ “صاروخ" عند عرض مفهوم سرعة هروب المقذوفات بدلا من الاسم الفعلي الصحيح "مقذوف" وربما كان ذلك نقلا عن كتب تم التصريح ببيعها خارج الدول المتقدمة في إطار نظريات التطوير والعولمة والجودة! وربما خطأ في الترجمة. كم من ذهن أهتم بالسفر للفضاء كبحه رقم هو صحيح في ذاته ولكن أقترن باسم غير متفق لما يعنيه.

إن هذا مثالا واحدا من كثير مما يمكننا كشفه من خلال مراجعة كتب الدراسة سواء قبل الجامعية و الجامعية- مراجعة  مع استشعار مبدأ الغرب وهو "ليس كل ما يعرفه المرء يصوغه للغير"، ونبعد عن مقرراتنا الإيحاءات الغير صحيحة والإتلاف المغرض للمعلومة وبذلك نضع في متناول أبنائنا خاطر الممكن بدلا من فكر المستحيل، فربما استطاعوا القيام بما لم نفعله. ومن ذلك أيضا أن ننظر إلى أمم سبقتنا كيف زُرع البَأس في سواعد أبنائها لكي يصلوا إلى مرتبة أعلى، أفلا نرى علمائنا وخبرائنا كيف يتقنون صنعا إذا ما ارتبطوا بالغرب أو الشرق ويضيقون زرعا إذا ما قارنوا زملائهم. أما من اقتران بزملائهم ممن أخذوا المعرفة من نفس المصدر المثبط للهمم قد يضيق لهم المجال إلا من رحم الله.  أما فارتباطاتهم بأصحاب التعليم السليم فيدفعهم للتدقيق في ما تعلموه ويجيدوا تطويره والاستفادة منه وهم فئتين: فئة تواصلوا بشكل مباشر بالعمل والتدريب وفئة تواصلوا بتتبع الخطى ببحثهم الذاتي والمناقشة. ولكننا نجد الفئة الأولى لا تتواءم إذا ما عادت مرة أخرى إلى مجتمعنا فهم كنابض أرتبط بدقات ساعة لا يناسب ساعة أخري، وعلى العكس نجد الفئة الثانية تتحرك ببطء في مضمار كثير العثرات بعيد المرام.  
خلاصة القول أن ما نقدمه اليوم لأبنائنا نحصده غدا لأحفادنا فإن كان الزرع سليما كان الحصاد وفيرا، وإن كان مشابا بالخطأ، نما الخطأ وفسد الحصاد.
مع التحية و التقدير
**************************
ا. د. السيد محمد كمال المغربي

pdf:  https://drive.google.com/file/d/0B8n7E5UlqMd5WmtxZHhlVGpEOEE/view?usp=sharing



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسيرة علماء الفيزياء - لاس فيجاس 1986

ألسنة متلونة

السلوك الاجتماعي الإيجابي