التنوع و العولمة Diversity and globalization




تحية طيبة،
 قبل البدء أحب أن أوضح اختلاف وجهات النظر حول مفهوما  العولمة  (العصرنة) و التنوع فكثير يرى تناقض الفكر بينهما والبعض يرى إنهما وجهان لعملة واحدة ولكن، ومن وجهة نظري ولكم قبولها أو لا ،أن الفارق دائما في التطبيق فلا تعني العولمة توحيد الأساليب ووجهات النظر أو التقدم في اتجاه واحد بل الأحرى وتوضيح الاختلاف بين الثقافات والمجتمعات وتفهيم أسبابه ودواعيه (المجتمعات بشكل عام هي الشعوب والمؤسسات والشركات). وعلى هذا فإن التنوع لا يعني الحرية المطلقة في اتخاذ التدابير وطرق التعامل بدون دافع. وليست العولمة كمضمون أمر حديث، فكما يعلمنا التاريخ فهي العلاقة بين كل منتصر ومنهزم وكل قوي وضعيف وكل غني وفقير.
والمجتمعات نوعان، مجتمعات نامية لم تستقر بها الظروف لأهداف تحققها ومجتمعات مستقر نعرفها أحيانا باسم الدول المتقدمة. فالأولى تتقلب بها الأحوال والتوجهات بين الفينة والأخرى ويسهل استقطاب أناسها نحو توجه معين،  والثانية استقرت فلا سبيل فيها للاستقطاب. بمعنى أخر، انه يسهل تطويع المجتمعات النامية لتناسب المفاهيم المختلفة، بينما تطوع المجتمعات المستقرة المفاهيم المختلفة لتلاءم ظروف  عملها ومعيشتها. وهذا هو المقياس الأول  لتقدم المجتمعات. فإذا قبلت المجتمعات مفهوم ما بدون تطويع يهدف ليلاءم واقعها بحجة العولمة  كان المجتمع ناميا و غير مستقر. فإذا قبلت المجتمعات مفهوم وطوعته يهدف ليلاءم واقعها وأهدافها بمقصد التنوع كان المجتمع مستقر وراسخا. اذكر هنا بعض من الكلمات بالانجليزية لن يفهم إلا من يعنيه هذا المقال وهي :impossible  ، ICDL ،  TOEFL ،  impact factor، ISO ، وغيرها الكثير. هل صدقت على هذه الكلمات يوما بدون أن تدري مرامه وتقصده الوجهة الصحيحة؟ إذا كانت الإجابة بنعم فأنت وبكل بساطة أحد أفراد مجتمع "نام". فإن الغرض من هذه الأمور هو تشكيل عقول وإعادة تهيئة لمجتمعات النامية لتناسب توجهات المجتمعات المستقرة رغبة من الثانية في منع أي صدام مستقبلي في الفكر والطرق والأساليب والذي يمثل بالطبع فوائد اقتصادية لهم. وليس كل صور العولمة مذمومة  فإذا اردنا أن نعولم طرق قياسنا للأطوال والأوزان و المقاييس الأخرى فهو أمر محمود وضرورة. ولكن أن نعولم مناهج التعليم فإن ثقافات المجتمعات ستذوب وسط خضم ثقافات الغير، أما أن نعولم وسائله وطرق التقييم بشكل يضمن تساوي الفرص بين المتعلمين فهذا أمر حسن. وهنا يجب التفريق بين ما يجب الأخذ به من صور العولمة وما لا يجوز المساس به من ثقافات.
علاقة هذا بسبل الاتصالات وطيد، فلا يوجد نشر لمدلول أو إحياء لمفهوم بدون تواصل واتصال. تنشأ المفاهيم وتكبر وتنتشر بالتواصل. ولكن هل هذه المفاهيم بذور صالحة لمجتمع نامي؟ هل و إذا صلحت تلقى القبول والدعم؟ هل وإذا فسدت تلقى الرفض والتجريم؟ لا، كالأرض البكر المجتمع نامي، ينمو فيه الخبيث والطيب ولكنها ارض برية لا يحكمها إلا البقاء للأقوى.  والآن ومع ثورة الاتصال والتواصل أصبح زرع المفاهيم أمرا يسيرا، والسبب عدم رغبة المتلقي أو عجز عن التفكير في صحة أو مدلول ما يقرأه، يسمعه أو يشاهده. فتراه بكل بساطة ينقاد نحو ما يهيئ له أنه الصحيح والذي قد يكون صحيحا أو فاسدا، يساق بنبرة صوت رخيم يسكر المستمع، أو دلالات روحية تمس عقيدته  أو مشاهد معماة لا يعلم بدايتها أو نهايتها أو كلمات رنانة لذي سلطان  أو رغبة لنفسه يقضيها أو غيرها من الأساليب. فكم من برنامج إعلامي تدل مَحاوره على جهل مُحاوره وكم من مقال على وسائل التواصل الحمق فيه أفرط من المعرفة وكم من عالم لا يسمعه إلا جاهل وكم من "كائد" يقتد به.
خلاصة القول انه إذا كانت العولمة هدف لمجتمعات على أساس توضيح صور وأسباب التنوع بينها فهو أمر ممتدح  ولكن الأخذ به على أنه الالتزام بوجهة نظر ما وهجر الباقي فإن هذا ليس سوى صورة من صور الاحتلال والاحتكار ولكنها ليست بالحديثة جدا فلطالما استعملتها  حكومات وشركات كبرى خلال عصورهم المنقضية.

د./ السيد محمد كمال المغربي

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسيرة علماء الفيزياء - لاس فيجاس 1986

ألسنة متلونة

متناقضة الناجي (Survival Bias)