Flat earth conspiracy مؤامرة الأرض المسطحة

Flat earth conspiracy مؤامرة الأرض المسطحة

Logic induction versus scientific theory



بدأت هذه المقالة في محاولة لتوضيح الفرق بين النظرية العلمية لكروية الأرض وفرضية الأرض المسطحة  المستنتجة بالمنطق المستحث. موريس بيرمان في إحصائية في كتابه عن نهاية الولايات المتحدة الأمريكية يوضح أن خمس سكان أمريكا يوقنون بأن الشمس تدور حول الأرض بينما لا يعي العشر معنى السؤال عن الشمس
المرجع (Berman, Morris (2006). Dark Ages America: The Final Phase of Empire. W.W. Norton & Company. ISBN 9780393058666.)
وفي إحصائية أخرى لستيف كرابت  وضح فيها أن 16% من سكان المانيا  و 19% من سكان بريطانيا أكدوا أن الشمس تدور حول الأرض بينما أبدى خمس عدد العينة عن عدم معرفتهم بالحقيقة
المرجع (Crabtree, Steve (1999-07-06). "NewPoll Gauges Americans' General Knowledge Levels". Gallup. )
 أما تسطح الأرض flat-earth فإنه الصورة الأخرى لهذا المبدأ ، مبدأ مركزية الأرض. إن الاقتناع بمؤامرة الأرض مسطحة صُنف (طبقا لموقع Live Science التابع لدارFuture Publishing Limited  أنه الأعلى في الاعتناق حيث يعتنق هذا المبدأ حوالي 200 فرد كل سنة.   


الإطار الأيديولوجي


ترجع خلفية هذا الاعتقاد إلى صيف عام 1838م عندما بدأ صمويل روبتوم Samuel Birley Rowbotham في تفسير نتائج تجربته على عدم انحناء مستوى نهر بدفورد Bedford Level experiment والذي يصل كوله إلى 9.7 كيلومتر وقد أستخدم للتجربة علم طوله 91 سم يزحف مع قارب في أتجاه حركة النهر . لكن عند إعادة التجربة عام 1870 م بواسطة ألفريد ولاس Alfred Russel Wallace وجد أن الخطأ الذي أرتكبه صمويل روبتوم هو عدم أخذه في الاعتبار اختلاف معامل انكسار الهواء للضوء المرئي وخاصة مع وجود نسبة عالية من الرطوبة قرب سطح الماء فأستعمل أعلاما ارتفاعها أربعة أمتار
 المرجع (Wallace, A.R. (1908). My Life. pp. 368–9. , "The Rotundity of the Earth". Nature. 1 (23): 581,  1870.).
  وقد استنكرت جمعية الأرض المسطحة هذه النتائج في موقعها الإليكتروني بالرغم من اقتناع صمويل روبتوم بالتجربة  قبل مائة عام. 
صورة لنهر بدفورد في إعادة لتجربة صمويل روبتوم Samuel Birley Rowbotham  بواسطة ليدي بلونت عام 1904.
Image source: E.A.M. Blount, "Bedford Level Experiment"). The Earth: A Monthly Magazine of Sense and Science. 5 (49, 50) (1904) 1–3

خلال تلك الفترة أنشأ صمويل روبتوم جمعية عقلانية Zetetic Society لنشر مبادئه وكتابه بعنوان Zetetic Astronomy  ثم تلا ذلك أن تبنت الليدي اليزبث بلونت Lady Elizabeth Blount أنشاء جمعية بأسم Universal Zetetic Society ومجلة دورية تصدر باسم earth  الارض لنشر هذا المعتقد. في العام 1956 أنشأ سامويل شينتون Samuel Shenton جمعية لأبحاث الأرض المسطحة والتي لم تلبث أن تخبو أنشتطها لعدم وجود أدلة على نظرياتهم وبطلان ما قد قدموا من إثباتات مضللة حتى ظهرت العديد من الجمعيات المتتالية التي تلهث وراء الشهرة واحدة تلو الأخرى. 

A map of the Earth drawn by Professor Orlando Ferguson in 1893.
 Image source: Wikipedia @ https://en.wikipedia.org/wiki/Orlando_Ferguson



نظرية المعرفة

وقبل البدء في نقد مبادئ فرضية الأرض المسطحة يجب توضيح بعض المعاني التي ذكرتها مسبقا في المدونة عن ملاحظات في نظرية المعرفة Notes on epistemology  أن النظرية هي نظام كامل من الفرضيات الصريحة والافتراضات ضمنية والمبادئ والعلاقات الموضوعة لتفسير مجموعة من الظواهر أما المنهجية هي مجموعة كاملة من الطرق والمقاربات والنماذج المطورة طبقا لنظرية قائمة للوصول لأفضل وسيلة لمعرفة الظاهرة المعنية ويجب على كل نظرية معرفية يجب أن تكون مبررة وصحيحة و مع ضرورة وجود دليل على صحة الاعتقاد. وتشمل نظرية المعرفة مجموعة من القواعد الثابتة وهي
1- يمكن فقط اثبات خطأ النظرية العلمية بالرفض القاطع
2- لا يمكن إثبات صحة نظرية علمية أو توكيدها لكن فقط تأييدها مؤقتا لحين ظهور بيانات جديدة أو نظريات أشمل.
3- المعرفة العلمية تتحرك بداية من النظرية العلمية ثم اختبارها من واقع الحقائق
4- المنطق المستحث inductive logic  ، بفرض أنه ممكن إجراءه ، يحمل الحقائق لنظريات علمية
قاعدة 4 قد تثير تشوش لدى المستمع ولكن فلنأخذ المثال التالي :
الحقيقة : قرص الشمس يشرق صباحا ويتحرك غروبا وهبوطا في أتجاه الغرب
النظرية : الأرض تدور حول محورها
      يصعب استخدام المنطق المستحث للوصول للنظرية
     ولكن بفرض النظرية أولا نصل لتوقعات نطابقها بالحقائق
أما القاعدة الأشمل فهي أنه لا يمكن بناء نظرية علمية مستقلة بناء على الفرضيات الصريحة أو الافتراضات ضمنية أو المبادئ أو العلاقات الموضوعة لنظرية قائمة إلا أن تكون جزء منها أو تشملها وتؤكدها ضمنا أو صراحة.
فلنأخذ المثال التالي :
   لم يستطع منشئو نظرية الكم  Quantum theory  في استنتاج قاعدة هيزنبرج Heisenberg Uncertainty principle من خلال مبادئها الموضوعة في فجر النظرية ولكن ما أن ظهرت نظرية المجال الكمي Quantum field Theory ، والتي استعملت الافتراضات الضمنية والمبادئ والعلاقات الموضوعة لتفسير مجموعة الظواهر الكمية لتوضح أن قاعدة هيزنبرج هي نتاج لوحدة المجال ،  أصبحت كل من نظرية الكم  والمجال الكمي هما صورتان لنفس النظرية لكن المنهجية مختلفة


عودة مرة أخرى لهندسية سطح الأرض ،

   يتم تقسيم سطح الأرض بواسطة خطوط طول وتساوي في العدد 360 ودائما تأخذ أتجاه المجال المغناطيسي للأرض (تقريبا) ويتم تقسيمها أيضا إلى 180 خط عرض عمودي على أتجاه المجال المغناطيسي (تقريبا) ، و(تقريبا) هنا لأنه ثبت حديثا أن المجال المغناطيسي للأرض متغير ومتذبذب. أيا ما كان موقعك على الأرض يمكن تحديده بدقة عن طريق رقمين أحدهم لخط الطول والآخر لخط العرض. وتقع البلدان المتحدة خطوط الطول في نفس المنطقة الزمنية (النهار أو الليل أو ساعة معينة) ولكن ليس بالضرورة الفصل السنوي (صيف أو شتاء) ذلك لأن الشتاء في أوروبا وشمال أفريقيا وشمال أسيا وأمريكا الشمالية يقابله صيف النصف الجنوبي لأفريقيا وجنوب أسيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا.  

أمور لا يمكن التنبؤ بها إذا كانت الأرض مسطحة

يزعم المنحازون فرضية تسطح الأرض أن كروية الأرض هي مؤامرة من قِبل ناسا ، وأن وكالات الفضاء تتأمر على شعوب العالم بادعاء أن الأرض كروية وأن برامج الفضاء ما هي إلا خدعة ! ولكن هذا المبدأ يمكن نقضه بسهولة من خلال المشاهد السابقة فلنأخذ النقاط التالية:
1- اختلاف الليل والنهار وساعات اليوم لا يمكن أن يكون قائما لعالم مسطح
2- مشهد السماء في أوروبا وشمال أفريقيا وشمال أسيا وأمريكا الشمالية لا يتفق مع مشهد السماء في النصف الجنوبي لأفريقيا وجنوب أسيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا.  وهذا يفند تماما أن هذين الشقين من العالم يواجهان نفس الاتجاه من السماء (الكون).
3- دوران الشمس والقمر معا كما يدعي اصحاب الفرضية يجعل القمر بدرا دائما اذا كانت سرعة دورانهم واحدة وهذا غير صحيح ، فإذا اختلفت السرعة في أفلاكهم سيكون القمر بدرا في أحد الدول ومحاقا في دولة أخرى وفي تربيعه الأول في أخرى وتربيعه الأخير في نقطة أخرى وهذا غير صحيح. 
4- عندما ينبع البحارة أتجاه الشمال دائما ما يذهبون إلى دائرة القطبية (بالطبع لا يستطيعون الأبحار في الجليد) أي أنهم دائما وفي أي مكان يتجهون شمالا لنقطة واحدة وذلك أيضا ينطبق على الجنوب أي أنهم دائما وفي أي مكان يتجهون جنوبا لنقطة واحدة أيضا. ذلك يعني أن جميع خطوط الطول تتحد في نقطتين أحدهم في أقصى الشمال وأحدهم في أقصى الجنوب. وبمناسبة هذا الأمر هناك تجربة تتم في القضب الجنوبى أسمها ICE CUBE ويتابعها المهتمين في جميع أنحاء العالم. فإذا كان العالم مسطح فلن يوجد أقطاب.

5- خلال خسوف القمر lunar eclipse يظهر ظل الأرض واضحا مستديرا على وجه القمر، فأين هو الجسم الخفي الذي يحجب ضوء القمر (في ظل فرضية الأرض المسطحة) .
6- أين هو الجسم الخفى الذي يحجب ضوء الشمس أثناء الكسوف 
7- البلدان التي تقع ضمن الدائرة القطبية (الشمالية أو الجنوبية) يعاني سكانها من عدم انتظام الليل والنهار ويصل الأمر أن يكون نهار اليوم أو ليله ستة أشهر في السنة. فإذا كانت فرضية تسطح الأرض صحيحة ما كان هذا الأمر. 

كل ذلك له تفسيره في نظرية الأرض الكروية التي تدور حول الشمس وله من التنبؤات والمشاهدات المتوفقة معها رصيد كافي لقبول كروية الأرض ،


والأن مع المساقط والإسقاطات

 إسقاط الخرائط هو أي طريقة تستخدم في علم رسم الخرائط من أجل إظهار السطح المنحني ثلاثي الأبعاد بشكل ثنائي الأبعاد عن طريق عملية هندسية تسمى إسقاط. ويهدف نوع الأسقاط لحفظ وعدم الخلال بأحد المعاملات الهندسية مثل:
    المساحة الصحيحة.
    الشكل الصحيح.
    الاتجاهات الصحيحة.
    المسافات الصحيحة.
أيا ما كان المسقط  فإن إحداثيات الموضع يجب أن تكون صحيحة في شبكة الإحداثيات الخاصة بالمسقط.
أشهر هذه المساقط هو الإحداثيات الكارتيزية rectangular حيث تكون المسافات الطولية صحيحة دون المسافات العرضية و مسقط Mercator Projection  وهو يحفظ الاتجاه دون المسافة أو المساحة و Mollweide projection  وهو يحفظ المساحة وليس المسافة أو الاتجاه ومسقط Sinusoidal projection وهو يحفظ كل من المسافة والمساحة دون الاتجاه. 

فيما يلي بعض نماذج المساقط في نظرية الأرض الكروية


Rectangular Projection

 
Mercator Projection

 
Sinusoidal projection

 
Mollweide projection
 
Azimuthal equidistant projection: north pole



أما مسقطي السمت Azimuthal projection فهو شديد الأهمية. لماذا؟ لأن علم الأمم المتحدة صمم ليكون مسقط الكرة الأرضية من أتجاه السمت للقضب الشمالى. وصمم بهدف منع التناحر من قبل الشرق والغرب في أيهما يكون مركز الخريطة ، ولكن هذا التصميم ميز بين الشمال والجنوب بشكل عنصري إذ جعل القوتين العظمتين في هذا الوقت مركزا للخريطة . يمكن لقارئ المقال مشاهدة أنواع المساقط الأخرى من خلال الرابط  هنا وهنا

علم الأمم المتحدة ممثلا المسقط السمتي من القطب الشمالى


أخطاء التجارب التي قام بها بعض الفلات-أرثيين

أولا عند اختيار مسافة لحساب نصف قطر الأرض يجب الأخذ في الأعتبار ما يلي
- نصف قطر كوكب الأرض 6371 كيلومتر  (6,357 to 6,378 km)
- محيط كوكب الأرض 40030 كيلومتر
- ارتفاع العين عن مستوى سطح البحر (المتوسط) في حدود 2 متر
- أي أن الأفق على بعد 5 كيلومتر تقريبا على مستوى سطح البحر و يزداد بعد الأفق كلما ارتفعنا عن سطح البحر لذلك كان البحارة في الماضي يضعون برج المراقبة على قمة الصاري.
- في كل الأحوال يكون الأفق الفعلي على مسافة تزيد عن أضعاف هذه المسافة نظرا لما يسمى انكسار الغلاف الجوي وهو الانكسار الناتج عن تغير الكثافة الضوئية نتيجة تدرج انخفاض الحرارة والرطوبة من مستوى السطح ارتفاعا إلى مسافات أعلى مما يسبب انكسار كلى داخلي يسبب انحناء ظاهرى في مسار الضوء وهو ما نسميه بالسراب. بالتالي يجب عند دراسة انحناء مستوى الأرض الابتعاد عن السطح المسافة الكافية لتقليل هذا التداخل.
كل القياسات التي تتم عند مستوي سطح البحر هي والعدم سواء.

ثانيا على مسقط Mercator Projection تكون خطوط الملاحة الجوية خطوط مستقيمة بينما في حالة Rectangular Projection وباقي المساقط التي لا تحفظ الاتجاه تكون خطوط الطيران خطوط منحنية أو منكسرة كما في حالة Sinusoidal projection



ثالثا لا يمكن استعمال الوقت (الفارق الزمني بين المدن) لبناء خريطة زمنية للعالم ولنقض نظرية كروية الأرض ، بكل بساطة ذلك لأن مبادئ التقويم الزمني مشيدة على نظرية كروية الأرض وتبعا لمبادئ علم المعرفة فإن استعمال الفرضيات الصريحة أو الافتراضات الضمنية أو المبادئ أو العلاقات الموضوعة لنظرية كروية الأرض لبناء فرضية علمية مستقلة لا يصح إلا أن أن تكون جزء منها أو تشملها وتؤكدها ضمنا أو صراحة ، بل تستعمل الفرضيات أو الافتراضات أو المبادئ أو العلاقات لنظرية كروية الأرض لنقضها فقط إن لم تتفق التنبؤات مع الواقع وهذا لم يحدث حتى الآن. وبذلك يكون من أستعمل تلك الفرضيات أو الافتراضات أو المبادئ أو العلاقات الخاصة بنظرية كروية الأرض في إيجاد خريطة للعالم المسطح ما هو إلا مؤيد لنظرية كروية الأرض.


تاريخيا

يعتبر فيثاغورث Pythagoras  في القرن السادس قبل الميلاد من أول من أعترف بكروية الأرض وأكده ارسطوAristotle بالدراسات الفيزيائية والمشاهدات والأدلة عام 330 قبل الميلاد. عارض الأمر في القرن الأول قبل الميلاد عدد من الشعراء أمثال لكريتيوس Lucretius لاعتبارهم أن هناك كائنات تمشي رأسا على عقب في الجانب الآخر من الأرض هو فكرة سخيفة . وحتى القرن الثالث بعد الميلاد ظلت فكرة كروية الأرض سائدة وبدأت في الاضمحلال بعدها إلى أن سادت نظرية الأرض المسطحة مرة أخرى في فترة جهل العصور الوسطى الأوربية منذ القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر بعد الميلاد إلا أن الشرق الأنى والأقصى بدأ  في تلك الفترة بدارسة الفلك والأرض في ظل تصور كامل عن كروية الأرض. ربما تبدلت الأدوار مرة أخرى خلال القرون من السادس عشر وحتى الثامن عشر حتى استقرت فكرة كروية الأرض في القرنين التاسع عشر والعشرين.  الغريب أن نجد في آخر القرن العشرون من يعيد الكرة ويحاول أحياء هذا الفرض المزعوم وجذب أتباع لهم من جميع الديانات السماوية وغير السماوية بناء على دعاوى عقائدية. لماذا؟  

ولا يوجد غير مبدأ واحد لفرضية تسطح الأرض ، منقوص الأصل ولم يقم عليه دليل ،  فهل من مفاد لنقده؟
أن فرضية مبنية على اسس المنطق المستحث inductive logic (أي بناء النظرية المعرفية من خلال المشاهدات) وهو أساس مضلل كما وضحنا مسبقا و كأنها نظرية هريدي.

مع التحية والتقدير لكل فكر جديد
أ.د. السيد محمد كمال المغربي 


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسيرة علماء الفيزياء - لاس فيجاس 1986

ألسنة متلونة

متناقضة الناجي (Survival Bias)